فصل: قال أبو البقاء العكبري:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.البلاغة:

1- في قوله: {القارعة ما القارعة وما أدراك ما القارعة} فن التكرير والمراد به تهويل شأنها وتفخيم لفظاعتها، وقد تقدم بحثه كثيرا.
2- وفي قوله: {يوم يكون الناس كالفراش المبثوث وتكون الجبال كالعهن المنفوش} تشبيهان رائعان وهو تشبيه مرسل مجمل لأن وجه الشبه حذف ففي الأول وجوه الشبه كثيرة منها:
1- الطيش الذي لحقهم 2- وانتشارهم في الأرض 3- وركوب بعضهم بعضا 4- الكثرة التي لا غناء فيها 5- والضعف والتذلل وإجابة الداعي من كل جهة 6- والتطاير إلى النار للاحتراق من حيث لا تريد الاحتراق.
أما تشبيه الجبال بالعهن المنفوش فهو أيضا تشبيه مرسل مجمل، وأوجه الشبه كثيرة أيضا منها:
1- تفتتها وانهيارها 2- وصيرورتها كالعهن 3- ثم صيرورتها كالهباء. وقد تشبث الشعراء بهذه المعاني فقال جرير يهجو الفرزدق:
أبلغ بني وقبان أن حلومهم ** خفّت فما يزنون حبة خردل

أزرى بحلمكم الفياش فأنتم ** مثل الفراش غشين نار المصطلي

وقال أبو العلاء المعرّي في رثاء والده:
فيا ليت شعري هل يخف وقاره ** إذا صار أحد في القيامة كالعهن

وهل يرد الحوض الرويّ مبادرا ** مع الناس أم يأبى الزحام فيستأني

وأولها:
نقمت الرضا حتى على ضاحك المزن ** فلا جادني إلا عبوس من الدّجن

وليت فمي إن شاء سنى تبسمي ** فم الطعنة النجلاء تدمى بلا سن

3- وفي قوله: {فهو في عيشة راضية} مجاز مرسل لأن الذي يرضى بها الذي يعيش فيها فهو مجاز مرسل علاقته المحلية وقيل راضية بمعنى مرضية، وأول من ألّف في مجازات القرآن في أواخر القرن الثاني الهجري أبو عبيدة معمر بن المثنى في كتابه (مجاز القرآن) وقد أشرنا إليه في هذا الكتاب وهو يقدّم لكتابه بمقدمة في بحوث لغوية عامة في القرآن يبدؤها ببحث كلمة قرآن وله رأي خاص في اشتقاق هذه الكلمة ينقله عنه المتأخرون وهو قوله: إنما سمي قرآنا لأنه يجمع السور فيضمها وتفسير ذلك آية في القرآن قال اللّه جلّ ثناؤه: {إن علينا جمعه وقرآنه}. ويستشهد عليه من كلام العرب ويدلف بعد ذلك إلى نص القرآن وما يتضمنه من فنون الكلام منبّها إلى أن القرآن يشابه في نظمه كلام العرب فيقول: وفي القرآن مثل ما في كلام العرب من وجوه الإعراب والمعاني. ويذكر تلك الوجوه مع أمثلة لها ويتعرض لها بالتفصيل منبّها وبصدد الآية قال ومن مجاز ما يقع المفعول إلى الفاعل قال: {كالذي ينعق بما لا يسمع} المعنى على الشاة المنعوق بها وحول على الراعي الذي ينعق بالشاة وقال: كالنهار مبصرا له مجازان أحدهما أن العرب وضعوا أشياء من كلامهم في موضع الفاعل والمعنى أنه مفعول لأنه ظرف يفعل فيه غيره ولأن النهار لا يبصر ولكنه يبصر فيه الذي ينظر وفي القرآن: {في عيشة راضية} وإنما يرضى بها الذي يعيش فيها.
وخلاصة القول في كتاب المجاز أنه كان خطوة في سبيل الكلام في طرق القول أو المجاز بمعناه العام وقد حاول أن يكشف عن بعض ما جاء من ذلك في أسلوب القرآن مع مقارنته بما جاء في الأدب العربي وساعد عليه محصوله الغزير فيه. اهـ.

.قال أبو البقاء العكبري:

سورة القارعة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الكلام في أولها مثل الكلام في أول الحاقة.
قوله تعالى: {يوم يكون} العامل فيه القارعة، أو مادلت عليه، وقيل التقدير اذكروا، و{راضية} قد ذكر في الحاقة، والهاء في {هيه} هاء السكت، ومن أثبتها في الوصل أجرى الوصل مجرى الوقف لئلا تختلف رءوس الآى، و{نار} خبر مبتدأ محذوف: أي هي نار {حاميه}. اهـ.

.قال حميدان دعاس:

سورة القارعة:
بسم الله الرحمن الرحيم

.[سورة القارعة: الآيات 1- 3]

{الْقارِعَةُ (1) مَا الْقارِعَةُ (2) وَما أَدْراكَ مَا الْقارِعَةُ (3)}
{الْقارِعَةُ} مبتدأ مرفوع {مَا الْقارِعَةُ} مبتدأ وخبره والجملة خبر القارعة والجملة الاسمية ابتدائية لا محل لها.
{وَما} الواو حرف استئناف {ما} اسم استفهام مبتدأ {أَدْراكَ} ماض ومفعوله والفاعل مستتر والجملة الفعلية خبر ما والجملة الاسمية مستأنفة لا محل لها {مَا الْقارِعَةُ} مبتدأ وخبره والجملة سدت مسد مفعول {أدراك} الثاني.

.[سورة القارعة: آية 4]

{يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ (4)}
{يَوْمَ} ظرف زمان {يَكُونُ النَّاسُ} مضارع ناقص واسمه {كَالْفَراشِ} خبر يكون {الْمَبْثُوثِ} صفة الفراش. والجملة في محل جر بالإضافة.

.[سورة القارعة: آية 5]

{وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ (5)}
معطوفة على ما قبلها والإعراب واضح.

.[سورة القارعة: آية 6]

{فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ (6)}
{فَأَمَّا} الفاء حرف استئناف {أما} حرف شرط وتفصيل {مَنْ} اسم موصول مبتدأ {ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ} ماض وفاعله والجملة صلة.

.[سورة القارعة: آية 7]

{فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ (7)}
{فَهُوَ} الفاء رابطة لأن الموصول يشبه الشرط {هو} مبتدأ {فِي عِيشَةٍ} خبر {راضِيَةٍ} صفة والجملة الاسمية خبر المبتدأ من.

.[سورة القارعة: آية 8]

{وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ (8)}
معطوفة على ما قبلها والإعراب واضح.

.[سورة القارعة: آية 9]

{فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ (9)}
{فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ} الفاء رابطة ومبتدأ وخبره والجملة الاسمية خبر المبتدأ من.

.[سورة القارعة: آية 10]

{وَما أَدْراكَ ما هِيَهْ (10)}
مثل إعراب الآية- 3- والهاء للسكت.

.[سورة القارعة: آية 11]

{نارٌ حامِيَةٌ (11)}
{نارٌ} خبر لمبتدأ محذوف {حامِيَةٌ} صفة والجملة مفسرة. اهـ.

.فصل في تخريج الأحاديث الواردة في السورة الكريمة:

قال الزيلعي:
سورة القارعة فِيهَا حديثان:
1527 – قوله:
وَثقل الْمِيزَان رُجْحَانهَا وَمِنْه حَدِيث أبي بكر فِي وَصيته لعمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما.
قلت رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة فِي مُصَنفه فِي خِلَافه... حَدثنَا وَكِيع عَن إِسْمَاعِيل ابْن أبي خَالِد عَن زبيد بن الْحَارِث أَن أَبَا بكر لما حَضَره الْمَوْت أرسل إِلَى عمر فَلَمَّا أَتَى قال لَهُ إِنِّي مُوصِيك بِوَصِيَّة إِن لله حَقًا فِي الليل لَا يقبله بِالنَّهَارِ وَحقا بِالنَّهَارِ لَا يقبله بِالليل وَإنَّهُ لَيْسَ لِأحدنَا نَافِلَة حَتَّى يُؤَدِّي الْفَرِيضَة إِنَّه إِنَّمَا ثقلت مَوَازِين من ثقلت مَوَازِينه يَوْم الْقِيَامَة باتبَاعهمْ الْحق فِي الدُّنْيَا وَثقله عَلَيْهِم وَحقّ لِمِيزَانٍ لَا يوضع فِيهِ إِلَّا الْحق أَن يثقل وَخفت مَوَازِين من خفت مَوَازِينه يَوْم الْقِيَامَة باتبَاعهمْ الْبَاطِل وَخِفته عَلَيْهِم وَحقّ لِمِيزَانٍ لَا يوضع فِيهِ إِلَّا الْبَاطِل أَن يخف ألم تَرَ أَن الله ذكر أهل الْجنَّة بِأحسن أَعْمَالهم حَتَّى يَقول قَائِل من يبلغ عمله عمل هَؤُلَاءِ وَذَلِكَ أَن الله تجَاوز عَن أَسْوَأ أَعْمَالهم فَلم يُبْدِهِ لَهُم وَذكر أهل النَّار بِأَسْوَأ أَعْمَالهم حَتَّى يَقول قَائِل أَنا خير عملا من هَؤُلَاءِ وَذَلِكَ أَن الله رد عَلَيْهِم أحسن أَعْمَالهم ألم تَرَ أَن الله أنزل آيَة الشدَّة عِنْد آيَة الرخَاء وَآيَة الرخَاء عِنْد آيَة الشدَّة ليَكُون رَاغِبًا رَاهِبًا لِئَلَّا يلقِي بِيَدِهِ إِلَى التَّهْلُكَة وَلَا يتَمَنَّى عَلَى الله أُمْنِية يتَمَنَّى فِيهَا عَلَى الله غير الْحق انتهى.
وَرَوَاهُ أَبُو نعيم فِي الْحِلْية فِي تَرْجَمَة أبي بكر الصّديق.
وَرَوَاهُ الطَّبَرِيّ فِي تَفْسِيره سُورَة الْأَحْقَاف حَدثنَا ابْن حميد ثَنَا جرير عَن لَيْث عَن مُجَاهِد قال دَعَا أَبُو بكر عمر... فَذكره.
1528- الحَدِيث الأول:
رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم: «يهوي فِيهَا يَعْنِي النَّار سبعين خَرِيفًا».
قلت رَوَاهُ الْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك فِي كتاب الْأَهْوَال من حَدِيث مُحَمَّد بن إِسْحَاق عَن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ عَن عِيسَى بن طَلْحَة عَن أبي هُرَيْرَة قال قال رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: «إِن الرجل ليَتَكَلَّم بِالْكَلِمَةِ لَا يرى بهَا بَأْسا فَيهْوِي بهَا فِي النَّار سبعين خَرِيفًا» انتهى وَقال حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم.
وَرَوَاهُ أَحْمد وَإِسْحَاق بن رَاهَوَيْه وَالْبَزَّار وَأَبُو يعْلى الْموصِلِي فِي مسانيدهم.
وَفِيه أَحَادِيث مِنْهَا:
حَدِيث رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي صَحِيحه من حَدِيث عبد الله بن دِينَار عَن أبي صَالح عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قال: «إِن أحدكُم ليَتَكَلَّم بِالْكَلِمَةِ من رضوَان الله مَا يلقِي بهَا بَالا يرفعهُ الله بهَا دَرَجَات وَإِن العَبْد ليَتَكَلَّم بِالْكَلِمَةِ من سخط الله مَا يلقِي بهَا بَالا يهوي بهَا فِي جَهَنَّم».
حَدِيث آخر رَوَى التِّرْمِذِيّ فِي كِتَابه فِي صفة جَهَنَّم من حَدِيث الْحسن عَن عتبَة بن غَزوَان أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قال: «إِن الصَّخْرَة الْعَظِيمَة لتلقى من شَفير جَهَنَّم فَتَهْوِي فِيهَا سبعين عَاما وَمَا تُفْضِي إِلَى قرارها» انتهى وَضَعفه فَقال لَا نَعْرِف لِلْحسنِ سَمَاعا من عتبَة بن غَزوَان وَإِنَّمَا قدم عتبَة فِي زمَان عمر وَولد الْحسن لِسنتَيْنِ بَقِيَتَا من خلَافَة عمر انتهى.
وَرَوَاهُ فِي الشَّمَائِل من حَدِيث خَالِد بن عُمَيْر عَن عتبَة بن غَزوَان.
وَرى التِّرْمِذِيّ أَيْضا من حَدِيث أبي الْهَيْثَم عَن الْخُدْرِيّ مَرْفُوعا «ويل وَاد فِي جَهَنَّم يهوي فِيهِ الْكَافِر أَرْبَعِينَ خَرِيفًا قبل أَن يبلغ قَعْره» انتهى.
حَدِيث آخر رَوَى الْبَزَّار فِي مُسْنده ثَنَا معَاذ بن سهل ثَنَا عُثْمَان بن عبد الله ثَنَا الْحسن بن أبي جَعْفَر عَن عَاصِم عَن أبي وَائِل عَن عبد الله عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قال: «إِن الرجل ليَتَكَلَّم بِالْكَلِمَةِ يهوي بهَا فِي النَّار كَذَا وَكَذَا خَرِيفًا» انتهى وَقال لَا نعلمهُ إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَاد.
وَأخرج أَيْضا من حَدِيث مجَالد عَن الشّعبِيّ عَن مَسْرُوق عَن ابْن مَسْعُود يرفعهُ «يُؤْتَى بِالْقَاضِي يَوْم الْقِيَامَة فَيُوقف عَلَى شَفير جَهَنَّم فَإِن أمر بِهِ دفع فَيهْوِي فِيهَا سبعين خَرِيفًا».
1529- الحَدِيث الثاني:
عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من قرأ سُورَة القارعة ثقل الله مِيزَانه يَوْم الْقِيَامَة».
قلت رَوَاهُ الثَّعْلَبِيّ من حَدِيث سَلام بن سليم ثَنَا هَارُون بن كثير عَن زيد بن أسلم عَن أَبِيه عَن أبي أمامة عَن أبي بن كَعْب قال قال رَسُول الله صلى الله عليه وسلم... فَذكره.
وَرَوَاهُ ابْن مرْدَوَيْه فِي تَفْسِيره فِي آل عمرَان، وَبِسَنَد الثَّعْلَبِيّ رَوَاهُ الواحدي فِي تَفْسِيره الْوَسِيط. اهـ.

.فصل في التفسير الموضوعي للسورة كاملة:

قال محمد الغزالي:
سورة القارعة:
قبيل قيام الساعة، والناس في بيوتهم أو أعمالهم، ينطلق صوت مرهب، يفزع له اليقظان ويستيقظ له الهاجع ويشعر الكل بالخطر المحدق: {واستمع يوم يناد المناد من مكان قريب يوم يسمعون الصيحة بالحق ذلك يوم الخروج}. هل هو قرع أجراس أو قرع طبول أو هو الصاخة التي تخرق الآذان؟ إنه {القارعة ما القارعة وما أدراك ما القارعة يوم يكون الناس كالفراش المبثوث وتكون الجبال كالعهن المنفوش}. إن الجبال فقدت تماسكها، وتساقطت كقطع الصوف المندوف. أما الناس فكأسراب الفراش أو الجراد المنتشر، لا يلوى أحد على أحد، كل امرئ يبحث عن مستقبله، يريد أن يعرف أين مصيره؟ إنك صنعت مستقبلك في الأيام التي خلت.
{فأما من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية}. والمراد كفة الخير الملأى بحسناته. أما إذا قل خيره وطفح شره {فأمه هاوية} تعبير جريء على عادة العرب الذين يجعلون حال الأم دليلا على حال ابنها في الحزن والسرور، روى أن أعرابيا سمع الآية {واتخذ الله إبراهيم خليلا}. فقال: لقد قرت عين أم إبراهيم!! والهاوية اسم للمكان المنخفض، والمراد هنا جهنم.. لقوله بعد {وما أدراك ما هيه نار حامية}. اهـ.

.في رياض آيات السورة الكريمة:

.فصل في أسرار ترتيب السورة:

قال السيوطي:
سورة القارعة:
قال الإمام: لما ختم الله سبحانه السورة السابقة بقوله: {إِنَّ ربَهُم بِهِم يَومئذٍ لخَبير} فكأنه قيل: وما ذاك؟ قال: هي القارعة قال: وتقديره: ستأتيك القارعة على ما أخبرت عنه بقوله: {إِذا بُعثِرَ ما في القبور}. اهـ.